الذهب يواجه تحديًا من أسعار الفائدة الأمريكية والدولار الأمريكي

الذهب يواجه تحديًا من أسعار الفائدة الأمريكية والدولار الأمريكي

تمتع الذهب بأداء قوي للغاية في شهر أبريل الماضي حيث وصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق متخطيًا مستوي 2400 دولار للأونصة، ولكن تباطأ هذا الزخم في وقت لاحق من الشهر ليتراجع دون مستوي 2300 دولار للأونصة، وعلى الرغم من هذه الخسائر الكبيرة إلا أن المعدن الأصفر أغلق شهر أبريل بمكاسب تقدر بنحو 2.35% للشهر الثالث على التوالي، ومنذ بداية العام حتي الآن لا يزال الذهب قادرًا على تحقيق مكاسب بحوالي 12% متفوقًا على مؤشرات الأسهم والسندات الرئيسية.

يمكن إرجاع عمليات بيع المعادن الثمينة إلى عدة عوامل بما في ذلك التصحيح الطفيف في الأسعار بعد الارتفاع التاريخي الذي شهدته فئات الأصول حيث يقوم المستثمرون بجني الأرباح وإعادة ترتيب المحافظ، بالإضافة إلى الهدوء النسبي في أعمال العنف في الشرق الأوسط وهو محفز سلبي للذهب حيث يُنظر إليه على أنه أصل “ملاذ آمن” في أوقات الاضطرابات الجيوسياسية وارتفاع التضخم بسبب حفظه للقيمة تاريخيًا عبر الأنظمة السياسية والحروب وانهيارات سوق الأوراق المالية.

الجغرافيا السياسية لا تزال داعمة

ليس هناك شك في أن أسعار تداول الذهب وجدت الدعم من تكثيف المخاطر الجيوسياسية على مدار الشهر الماضي، فقد شهد شهر أبريل تبادلاً مباشراً للصواريخ بين الاحتلال الإسرائيلي وإيران، في حين أصبح الخطاب الأميركي ضد دعم الصين لحرب روسيا على أوكرانيا أكثر حدة، ومع ذلك، فإن تحديد التأثير المباشر لذلك على أسعار الذهب لا يزال يمثل تحديًا، لأن مثل هذه المخاطر في حد ذاتها يصعب تحديدها كميًا وعزلها عن محركات الأسعار الأخرى.

وبرغم ذلك فإن الدراسات الاستقصائية للمستثمرين المؤسسيين تعتبر حاليًا الجغرافيا السياسية خطرًا كبيرًا، ومن غير المرجح أن يتغير هذا قريبا، نظرا لعدد بؤر التوتر الواضحة بالفعل.

أسعار الفائدة الأمريكية والدولار الأمريكي

الأمر المؤكد هو أن الذهب يواصل إظهار مرونة ملحوظة في مواجهة بعض الرياح الاقتصادية المعاكسة الكبيرة، حيث بدأ عام 2024 بتوقعات مفادها أن البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سوف يخفض أسعار الفائدة 5 إلى 6 مرات (بإجمالي 1.25% – 1.50%) على مدار العام، واعتبرت مثل هذه التخفيضات بمثابة دعم رئيسي للأصول التي لا تدر عائدا مثل الذهب والتي سيتم تعزيزها بشكل أكبر من خلال ضعف الدولار الأمريكي المصاحب.

ومع ذلك، بحلول نهاية مارس تم تقليص هذه التخفيضات إلى ثلاثة مرات بمقدار ربع نقطة مئوية فقط في النصف الثاني من عام 2024، مع استمرار النمو والتضخم في الولايات المتحدة في الارتفاع بشكل مفاجئ.

وشهد شهر أبريل إلى حد كبير استمرارًا لهذا الاتجاه، مما دفع رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي باول إلى التعليق قائلاً: “من الواضح أن البيانات الأخيرة لم تمنحنا ثقة أكبر، وإذا استمر التضخم المرتفع فيمكننا الحفاظ على المستوى الحالي لأسعار الفائدة طالما تشير العقود الآجلة لأموال الاحتياطي الفيدرالي الآن إلى تخفيضات بمقدار 1 -2 نقطة فقط هذا العام”.

في حين ارتفع مؤشر الدولار (DXY) بمقدار 1% على مدار شهر أبريل، وفي حين أن ارتفاع التضخم يوفر بعض التعويض عن أسعار الفائدة الاسمية المرتفعة بشكل عنيد، فإن النتيجة الصافية هي ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية التي كانت تاريخيا بمثابة عبئ على أسعار الذهب، ومع ذلك، كان أداء الذهب جيدًا ويتحدى نماذج تسعير الذهب الكمية التقليدية.

لماذا سجل الطلب العالمي على الذهب أفضل ربع أول له منذ 8 سنوات؟

سجل الطلب على الذهب أقوى أداء له في الربع الأول منذ ثماني سنوات، مدعوما “بالاستثمار الصحي” من السوق خارج البورصة، فضلا عن مشتريات البنوك المركزية التي شهدت أفضل بداية لها على الإطلاق في أي عام، وفقا لتقرير صادر عن مجلس الذهب العالمي.

وقال “جو كافاتوني” استراتيجي السوق لأمريكا الشمالية في مجلس الذهب العالمي: إن الدعم والاستهلاك المستمر من قبل مجتمع البنوك المركزية في الأسواق الناشئة كان بمثابة مساهمة حاسمة في أداء الذهب، بالحكم على استهلاكهم المستمر فإن الدور الذي يمكن أن يلعبه الذهب في المحفظة الاحتياطية مهم وستظل الحالة قوية لبقية العام.

ارتفع إجمالي الطلب على الذهب في الربع الأول والذي يشمل قطاعات الاستثمار والصناعة ومشتريات البنوك المركزية بنسبة 3% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي لتصل إلى 1283.3 طن متري وهو أقوى ربع أول منذ عام 2016، وفقًا لتقرير مجلس الذهب العالمي.

وذكر التقرير إن إجمالي الطلب يشمل 136.4 طن متري من المشتريات خارج البورصة (OTC)، والتي تتميز بتداول المشاركين في السوق مباشرة مع بعضهم البعض، وهذا أكثر من ثلاثة أضعاف الكمية المسجلة في العام الماضي البالغة 42.7 طن متري.

جاء الارتفاع الإجمالي في الطلب على المعدن الثمين في أعقاب ارتفاع أسعار العقود الآجلة للذهب المتداولة في بورصة كوميكس إلى مستوى تسوية قياسي بلغ 2413.80 دولار للأونصة في 19 أبريل.

طلب البنوك المركزية يساهم في دعم ارتفاع الذهب

وقالت “لويز ستريت” كبيرة محللي الأسواق في مجلس الذهب العالمي في بيان: إن الأسباب الكامنة وراء الارتفاع الأخير في أسعار الذهب تشمل المخاطر الجيوسياسية المتزايدة واستمرار عدم اليقين في الاقتصاد الكلي مما يؤدي إلى الطلب على الذهب كملاذ آمن، كما أن الطلب المستمر والحازم من البنوك المركزية والاستثمار القوي خارج البورصة وزيادة صافي الشراء في سوق المشتقات المالية ساهم أيضًا في ارتفاع سعر الذهب.

وقال تقرير مجلس الذهب العالمي إن الطلب على الذهب من البنوك المركزية بلغ 290 طن متري في الربع الأول وهو ما يمثل أقوى بداية في أي عام على الإطلاق، استنادا إلى بيانات تعود إلى عام 2000.

ومن بين البنوك المركزية، أعلن بنك الشعب الصيني عن إضافة 27 طن متري إلى احتياطياته من الذهب في الربع الأول، وقد سجل 17 زيادة شهرية متتالية في مشتريات البنك المركزي من الذهب لتصل حيازاته إلى 2262 طن متري، في أطول سلسلة من الزيادات الشهرية التي أعلن عنها بنك الشعب الصيني على الإطلاق لاحتياطياته من الذهب.

وقال تقرير مجلس الذهب العالمي إن البنوك المركزية “سرّعت” مشترياتها من الذهب إلى أكثر من 1000 طن متري سنويا في عامي 2022 و 2023، وقد أرجع الكثيرون تلك “الشهية النهمة للذهب” كمحرك رئيسي لأداء المعدن الثمين في الآونة الأخيرة في مواجهة الظروف التي تبدو صعبة وتحديداً ارتفاع العائدات وقوة الدولار الأمريكي.

وأضاف التقرير أن السوق بدأ أخيرا في تقدير أهمية مساهمة الطلب على الذهب، إن البداية القوية لهذا العام في مشتريات البنوك المركزية ستعزز وجهة النظر بأن طلب البنوك المركزية سيظل قويا في عام 2024.

التدفقات الخارجة من صناديق الاستثمار المتداولة للذهب

ومع ذلك، أفاد مجلس الذهب العالمي أن إجمالي استثمار الذهب في الربع الأول كان أقل بشكل ملحوظ عند استبعاد المعاملات خارج البورصة بانخفاض بنحو 28% ليصل إلى 198.6 طن متري عن نفس الفترة من العام الماضي، مع تدفقات خارجة من الصناديق المتداولة في البورصة تتفوق على النمو المتواضع في الطلب على السبائك والعملات المعدنية.

شهدت صناديق الذهب المتداولة العالمية تدفقات خارجة قدرها 114 طن متري في الربع الأول، مع انخفاض إجمالي الحيازات بنسبة 4% لتصل إلى 3113 طن متري، في حين ارتفع الاستثمار العالمي في السبائك والعملات المعدنية بنسبة 3% على أساس سنوي ليصل إلى 312 طن متري.

في الولايات المتحدة، كان معظم التأثير على صناديق الاستثمار المتداولة نتيجة لتطلع المستثمرين إلى قياس الطريق إلى الأمام فيما يتعلق بالسياسة النقدية الأمريكية، وبدون توجيه واضح من البنك الاحتياطي الفيدرالي فإن ارتفاع أسعار الفائدة لفترة أطول سيعيق أي طلب استثماري استراتيجي جديد.

المحركات الرئيسية للمعدن الأصفر في مايو

من المرجح أن يعتمد أداء الذهب على البيانات الواردة خلال شهر مايو، وفي مقدمة هذه الأمور سيكون قرار البنك الاحتياطي الفيدرالي بشأن سعر الفائدة والمؤتمر الصحفي اللاحق لرئيس البنك في الأول من مايو، على الرغم من أن الأسعار المعلقة أصبحت الآن مسعرة بشكل كبير حتى سبتمبر.

ومع ذلك، فمن المحتمل أن يتراجع الرئيس باول عن موقفه المتشدد بالنظر إلى قراءة الناتج المحلي الإجمالي الضعيفة للربع الأول في أواخر أبريل وهذا من شأنه أن يدعم الذهب، علاوة على ذلك، سيشهد يوم 15 مايو مجموعة من بيانات التضخم الأمريكية لشهر أبريل والتي ستزيد من حدة توقعات أسعار الفائدة الأمريكية، نظرًا لاعتماد الاحتياطي الفيدرالي على تلك البيانات، وستظل محركات الأسعار الجيوسياسية عنصرا غير متوقع كما كانت دائمًا.

وفي مقابلة أجريت معه مؤخراً، قال “مايكل ويدمر” رئيس قسم أبحاث السلع في بنك أوف أمريكا: إن أسعار الذهب يمكن أن ترتفع خلال الأشهر الـ 12 المقبلة إذا ظل الطلب الاستثماري الصيني ومشتريات البنوك المركزية قويين وارتفع الطلب الغربي عندما يخفض البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة في نهاية المطاف.

العوامل التي تؤثر على التحركات الرئيسية لسعر الذهب

نظرًا لأن الذهب هو أحد الأصول الناضجة والراسخة، فهناك عدد من العوامل التي تلعب دورًا عند تحديد سعره وكيفية تأثره، يعد الذهب أيضًا أصلًا فريدًا إلى حد ما مقارنة بأشياء مثل الأسهم والسندات وهذا يجعله أيضًا يتصرف بشكل مختلف وحقيقة أنه يعمل كتحوط يعني أن المرء بحاجة إلى البحث عن العوامل التي تؤثر على الأصول الأخرى بشكل مختلف، هناك عدة عوامل تؤثر على التحركات الرئيسية في سعر الذهب، مما يعكس دوره الفريد كأصل ناضج وراسخ:

1 .الطلب على الاستهلاك: تساهم الاستخدامات المتنوعة للذهب من الإلكترونيات إلى المجوهرات في تقلبات الطلب، بالإضافة إلى ذلك، غالبا ما تحصل الحكومات على الذهب كمخزن للقيمة.

2 .الحماية ضد التقلبات: يعمل الذهب كأداة للتحوط ضد عدم اليقين، مما يجذب المستثمرين الباحثين عن الاستقرار في الأوقات المضطربة.

3 .التضخم: يعد الذهب أداة تحوط شائعة ضد التضخم، حيث يميل إلى الاحتفاظ بقيمته عندما تنخفض قيمة العملات الورقية.

4 .ارتفاع أسعار الفائدة: يمكن أن تتأثر أسعار الذهب بالتغيرات في أسعار الفائدة، حيث يؤدي انخفاض أسعار الفائدة عادة إلى زيادة الطلب على المعدن الثمين.

5 .تأثير الرياح الموسمية: في بلدان مثل الهند حيث يرتفع استهلاك الذهب، يمكن لعوامل مثل موسم الرياح الموسمية أن تؤثر على أنماط الشراء خاصة بين سكان الريف.

6 .الارتباط مع فئات الأصول الأخرى: إن ارتباط الذهب المنخفض بالأصول التقليدية يجعله أداة قيمة للتنويع، وغالبًا ما يتم البحث عنها خلال فترات عدم اليقين في السوق.

7 .العوامل الجيوسياسية: يُنظر إلى الذهب على أنه ملاذ آمن أثناء التوترات والأزمات الجيوسياسية، لأنه يوفر الاستقرار وسط حالة عدم اليقين.

8 .ضعف الدولار: يؤدي ضعف الدولار الأمريكي عادة إلى ارتفاع أسعار الذهب، حيث أن الذهب مقوم بالدولار ويعمل بمثابة تحوط ضد انخفاض قيمة العملة.

9 .الطلب على الذهب في المستقبل: يمكن أن تؤثر التقلبات في الطلب العالمي، إلى جانب ديناميكيات العرض غير المؤكدة بسبب تعدين الذهب، بشكل كبير على الأسعار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *